أن الخلق يبدأ بإتحاد عنصرين من الذكر والأنثى معاً وهذه الحقيقة القرآنية جهلها علماء الغرب حتى القرن الثامن عشر فجعلوا يخبطون خبط عشواء فى نسب الجنين الى الأم فقط أوالأب فقط.. قال الله تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا)(سورة الإنسان:2). ولفظ النطفة فى القرآن والسنة إما تأتى مطلقة كما في قوله تعالى: (من نطفةٍ خلقهُ فقدره) (سورة عبس: 19).
والإشارة هنا تكون إلى الخلق من نطفةٍ ذكريةٍ أوأنثويهٍ.
أوتأتي موصوفة بأنها نطفة أمشاج كقوله تعالى ( إنا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا)(سورة الإنسان:2) والأمشاج أي الأخلاط أى أنها نطفة مختلطة وهذا هوالمعجز هنا أن تقترن لفظة نطفة المفردة بلفظة الأمشاج الدالة على الإختلاط وذلك للدلالة على أن هذه الخلية الواحدة ( النطفة ) إنما هي مختلطة من أكثر من مصدر والمقصود هنا من الذكر والانثى.
والرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد هذا المعنى بقوله حين سأله يهودي " فقال يا محمد مم يخلق الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا يهودي من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة " مسند الإمام احمد.
القاعدة الثانية:
يحتوي ماء الرجل على حوالي 200 مليون حيوان منوي وسوائل متعددة
يشارك حيوان منوي واحد فقط في تكوين الجنين
تخرج البويضة من المبيض محاطة بغشاء وتاج مكون من مئات الخلايا.
تشارك البويضة فقط في تكوين الجنين
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:37
أنه ليس كل ما خرج من البويضة أومن الرجل إلى رحم المرأة يشارك في تكوين الجنين فإنه يخرج من مبيض المرأة بويضة محاطة بغشاء ويحيط بالغشاء مجموعة كبيرة من الخلايا في شكل تاج وتسبح في سائل جيلاتيني إلى أهداب قناة فالوب وأما الرجل فإنه يدفع بحوالي 200 مليون حيوان منوي لا يدخل في تكوين الجنين منها سوى حيوان منوي واحد فقط وهذه الحيوانات المنوية تسبح في سوائل تُفرز من غدد مثل البروستاتا والحوصلة المنوية حيث لا يشكل حجم الحيوانات المنوية جميعها بالنسبة للحجم الكلي لهذه السوائل أكثر من 1%. ومن الإعجاز المبهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم " ما من كل الماء يكون الولد " صحيح مسلم- كتاب النكاح - باب العزل. وهذا القول المعجز يلخص جهود آلاف العلماء لسنوات طويلة لبيان القدر الضئيل من ماء الرجل اوماء المراة الذي يشارك في تكوين الجنين.
القاعدة الثالثة:
أن الجنين لا يوجد على صورته ثم يكبر ولكنه يخلق في أطوار كما قال تعالى ( ما لكم لا ترجون لله وقارا،وقد خلقكم اطوارا ) (سورة نوح:13-14). وقوله تعالى (.....يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا اله إلا هوفأنى تصرفون( (سورة الأنعام: 6).
وهذه القواعد الهامة تهدم كل المعارف والظنون البشرية من عهد أرسطووحتى القرن الثامن عشر.
6- التقدير
اندماج المادة الوراثية للبويضة والحيوان المنوي فور الإخصاب
ما أن يدخل رأس الحيوان المنوي إلى داخل بويضة الأنثى حتى يتضخم ويتحول إلى نواة ذكرية أولية تحتوى على 23 كروموسوم (22+Y) أو(22+X) بينما في نفس الوقت تتشكل نواه البويضة في صورة نواة أنثوية أولية (22+X) ثم تفقد كل منهما الغلاف الخاص بها وتتحد الكروموسومات الموجودة في كل منهما في نظام دقيق ليعود عدد الكروموسومات في الخلية الجديدة إلى العدد الكلى للخلية البشرية (23 زوج من الكروموسومات). وتحتوى هذه الكروموسومات على حوالي 100 ألف جين بشري يحدد إجمالي الشفرة الوراثية البشرية ويبلغ عددها حوالي 3 آلاف مليون حرف وراثي.
لقد قدر الله تعالى لهذا المخلوق صفاته الوراثية وطوله ولونه وهيئته ووقدراته العلمية والجسدية والأمراض الوراثية التي قد يحملها واستعداده للإصابة بالأمراض المختلفة. لقد تم التقدير لهذا الجنين فور بدء خلقه ومن العجيب أن القرآن الكريم يوضح هذه الحقيقة المعجزة فيقول الله تعالى (من نطفةٍ خلقه فقدره) (سورة عبس: 19). فأعقب بدء الخلق (إتحاد الحيوان المنوي مع البويضة) بالتقدير ( وهواجتماع وترتيب المورثات التي تحمل الصفات الوراثية لهذا الجنين).
7- الفَلْقْ
من اليوم التالي للإخصاب، تتوالى حدوث الانقسامات بالبويضة المخصبة
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p: 44
تتحرك النطفة الأمشاج في قناة فالوب حتى تجويف الرحم في اليوم الخامس تقريباً....أثناء هذه المسيرة فإنها تأخذ في الانقسامات المتوالية التي يستغرق كل انقسام منها في البداية من 12-24 ساعة لتتحول النطفة الأمشاج إلي خليتين ثم إلى 4خلايا ثم إلى 8 خلايا ثم إلى 16 خلية وهوبداية طور التوتة (Morula)التي تدخل إلى تجويف الرحم وتستمر في الانقسام وهذا النظام البديع وهوتكوين الجنين من انقسام الخلايا(الفَلْقْ) لا يَشِذُ عنه أي كائن حتى الكائنات وحيدة الخلايا كالبكتيريا حيث تتكاثر بالانقسام. والكائنات عديدة الخلايا تتكون من ملايين الانقسامات المتتالية ليتكون منها فى النهاية المخلوق.ولا عجب أن يشير القرآن إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى (قل أعوذ برب الفلق) (سورة الفلق:1). والفلق هنا في معنى اسم مفعول بمعنى مخلوق، فكل كائن حي مخلوق هوفي حقيقته مفلوق لهذا قال ابن عباس في تفسير هذه الآية عندما سئل عن الفلق فقال (الخَلْق)(4).
8- الحرث
بويضة مخصبة بعد دفنها في جدار الرحم
بعد وصول التوتة إلى تجويف الرحم، يظهر فيها تجويف تتحول معه إلي ما يسمى بالكيس الخلوي (Blastula) ثم تتميز الخلايا إلى طبقتين: طبقة داخلية (Inner cell mass) وهي التي سيتكون منها الجنين وطبقة خارجية (Outer cell mass) وهي التي ستشارك في مسؤولية تغذية الجنين. وهذا التميز يتشابه مع جنين النبات الذي يوجد في المنطقة الداخلية ومحاطاً بخلايا خارجية. وفي نهاية الأسبوع الأول تكون قد وصلت إلى موضعها المناسب لتنغرس في جدار الرحم.
إن مقارنة البذرة الإنسانية بالبذرة النباتية ومقارنة تربة الأرض التي تحتاج إلى تمهيد وإزالة للطبقة السطحية مع إضافة طبقة جديدة قبل غرس البذرة ببطانة الرحم التي يتم تمهيدها خلال الدورة الشهرية لتزال الطبقة السطحية وتنموطبقة جديدة لتكون في أفضل حالاتها وقت انغماس البذرة.. هذه المقارنة تجعلنا نشعر بالمعجزة في أن يستعمل القرآن الكريم لفظ (الحرث) الذي يستعمل للنبات في معرض الحديث عن النشأة الجنينية للإنسان. قال تعالى (نساؤكم حرث لكم فأتوا حَرْثكم أنَى شئتم)(سورة البقرة: 232).
9- العَلَقة
"الأسبوع الثاني والثالث "
الجنين
(أ)
(ب)
الجنين يعلق بالمشيمة بواسطة ساق اتصال ابتداءً من الأسبوع الثاني ليحصل على غذائه متطفلا على دم الأم (أ)، ويكون شكله مثل طفيل العلق (ب).
بعد اكتمال إنغراس البذرة الإنسانية في جدار الرحم في الأسبوع الثاني تتميز الطبقة الداخلية للجنين إلى طبقتين (Bilaminar) بينما تتعلق الطبقة الخارجية بجدار الرحم بواسطة ساق التعلق (Connecting stolk) للحصول على الغذاء من دم الأم.وفي الأسبوع الثالث تتكون طبقة ثالثة بين الطبقتين وبذلك تكتمل الطبقات الثلاث التي سينشأ بإذن الله منها جميع أجهزة الجسم (Trilaminar). وتتميز منطقة الرأس من منطقة المؤخرة ويأخذ الجنين الشكل الدودي سابحاً في السائل المحيط ومتغذياً عليه ومتعلقاً بجدار الرحم وهوبذلك يشبه طفيل العلق الموجود فى البرك فى نواحى كثيرة منها:
1- الشكل الدودي
2- السباحة في وسط سائل
3- تعلق طفيل العلق بكائن آخر.
4- تغذية طفيل العلق على دماء هذا الكائن الأخر.
وصدق الله العظيم إذ يقول:( خلق الإنسان من علق) (سورة العلق:2). وقال تعالى ( ثم خلقنا النطفة علقة) (المؤمنون: 14)
10- المضغة
" الاسبوع الرابع إلى أربعين يوماً "
جنين خلال مرحلة المضغة (هنا في الأسبوع الرابع)
ابتداءً من اليوم الرابع والعشرين في الأسبوع الرابع وحتى الأسبوع السادس تظهر على جانبي مبادئ العمود الفقري للجنين نتوءات..ويتقوس الشكل الخارجي للجنين بسبب حدوث انثناءات في جسم الجنين (Somites)نظراً لاختلاف معدل نموأجزائه المختلفة. ويكون أفضل وصف للجنين في هذه المرحلة هووصف المضغة نظراً للشكل المنثني المميز ولوجود النتوءات التي تشبه مواضع الأسنان على قطعة صغيرة من اللحم الممضوغ ويكون طول الجنين في هذه المرحلة حوالي 1-2 سم مما يجعله في حجم ما يمضغ، وصدق الله العظيم إذ يقول ( ثم خلقنا النطفة علقة...) (المؤمنون: 14)
11- مخَلٌَََقَة وغير مخلقة
صور جانبية لجنين في الأيام 24، 26، 28 على التوالي تظهر التتابع السريع في شكل الجسم خلال هذه الفترة مع بداية تكون الأطراف
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:89
إن الجنين في مرحلة المضغة يحتوي علي أصول جميع أجهزة الجسم ( الجهاز الدوري – التنفسي – الهضمي – البولي ) فأوليات جميع الأجهزة قد إكتمل تشكيلها ولكن تفاصيل هذه الأجهزة لم تكتمل بعد..وأيضاً فإن بعض الخلايا قد تخصصت
(Differentiated) ولكن بعضها ما زال غير متخصص في صور خلايا غير متميزة Undifferentiated والعجيب أن القرآن الكريم يصف المضغة بهذا الوصف (مخلقةٍ وغير مخلقة ) ولاحظ إستعمال القرآن الكرسم للفظ (مخلقة ) ولم يستعمل لفظ (مخلوقة) فكل الخلايا في هذه المرحلة (مخلوقة ) ولكن بعضاً منها ما زالت غيرُ مُخلقة وغير مُخلقة تعنى عدم إحكام الصنعة فهى ما زالت غير محكمة الصنعة حيث بعض الخلايا لم تتخصص في وظيفتها كما أن الأجهزة ما زالت في صورة أولية، فجمع الجنين في هذه المرحلة بين وصف ( مُخلقة ) من حيث إكتمال تشكيل المضغة في ذاتها على أحسن هيئة وتخصص بعض خلاياها وبين وصف ( غير مخلقة ) من حيث عدم إكتمال صفة الأجهزة وعدم تخصص كثير من الخلايا والله تعالى أعلم. قال تعالى(....ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم....) (سورة الحج:5).
12- جمع الخلق
صورة لجنين في اليوم الثاني والأربعين من عمره وقد ظهر الرأس وبدايات تكون العينين والأذنين وأصابع اليدين
Moore and Persaud، 1998، Before we are born، 5th ed.، p:94
يصف الرسول صلى الله عليه وسلم الجنين في هذه المرحلة بلفظة معبرة فيقول صلى الله عليه وسلم: ( إن أَحَدكم يُجْمَعُ خَلْقه في بطن أُمه أربعين يوماً.ثم يكون فى ذلك علقة مثل ّذلك ثم يكون فى ذلك مضغة مثل ّذلك.....الحديث) (صحيح مسلم). إن طور المضغة في أواخر الأسبوع السادس (40-42 يوم ) يتميز بعدة خصائص:
1-يكون طوله في حدود 1 سم.أي في حيز صغير جداً
2- يكون على هيئة مقوسة وبذلك يكون طرفاه مجموع أحدهما الي الآخر
3- تجتمع بداخله بدايات جميع أجهزة الجسم.
فحق لنا أن نقول أنه قد تم (جمع خلقه) في هذه المرحلة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم
جاء الحديث الشريف بثلاثة روايات لأئمة الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه:
رواية البخارى الصحيحة- رواية مسلم الصحيحة – رواية أبوعوانة ( وهى ضعيفة السند رغم شهرة النص)
رواية أبوعوانة لواعتبرناها لفسد المعنى حيث لفظها عنده: (إن أَحَدكم يُجْمَعُ خَلْقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ) وهذا معناه أن النطفة تستمر الي اليوم الأربعين ولكن الرواية الصحيحة هي رواية الإمام البخاري: حدثنا أبوالوليد هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة أنبأني سليمان الأعمش قال سمعت زيد بن وهب عن عبد الله قال :حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوالصادق المصدوق قال: ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع برزقه وأجله وشقي أوسعيد فوالله إن أحدكم أوالرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أوذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أوذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) (صحيح البخاري/كتاب القدر/في القدر).
ولكن هناك أيضاً زيادة هامة عند الإمام مسلم، والنص عنده هو: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا أبومعاوية ووكيع ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني واللفظ له حدثنا أبي وأبومعاوية ووكيع قالوا حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوالصادق المصدوق:( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أوسعيد فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها)( صحيح الإمام مسلم / كتاب القدر / كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله).
والزيادة في نص الحديث عند الإمام مسلم هي قوله صلي الله عليه وسلم (في ذلك علقة مثل ذلك ) و( في ذلك مضغة مثل ذلك) فلفظ في ذلك أي خلال نفس المدة مما يعني أن المراحل الثلاث تتم جميعاً في الأربعين الأولى.
والزيادة التى في صحيح مسلم هى زيادة ثقة ويجب إضافتها الي النص لإكتمال المعنى حسب مبادئى علم مصطلح الحديث وبذلك يكون المعنى: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم إنه يكون في هذه الأربعين أيضاً علقة تامة الخلق مكتملة التكوين ثم إنه يكون في هذه الأربعين أيضاً مضغة تامة الخلق مكتملة التكوين..وبذلك يكون في هذا الحديث دروس عظيمة من دروس علم مصطلح الحديث:
1- حسن التثبت من صحة الحديث، فإن رواية أبوعوانه الضعيفة تفسد المعنى.
2- أهمية دراسة جميع طرق الحديث ونصوصه المختلفة.
3- أهمية إعتبار الزيادة في حديث الثقة عند دراسة النص حتى يكتمل المعنى مثلما إعتبرنا لفظ ( في ذلك ) للإمام مسلم عند دراسة نص الإمام البخارى وبذلك كانت صيغة الإمام مسلم لهذا الحديث هى أقرب وأكمل صيغة له.