تحول حكم قضائي بفسخ زواج رجل وامرأة مسلمين في فرنسا من شأن شخصي وعائلي إلى قضية رأي عام وما سمي "تهديد للعلمانية" وأصبح موضوعا رئيسا في مختلف وسائل الإعلام المحلية، وأدانته مختلف الأحزاب السياسية والجمعيات النسائية.
فقد قضت المحكمة الابتدائية بمدينة ليل شمال في الأول من أبريل/ نيسان الماضي بإلغاء عقد زواج بين مسلمين، بعدما تبين كذب الزوجة التي أكدت لخطيبها قبل إتمام العقد أنها عذراء.
خصوصية دينية
وأثارت القضية جدلا إعلاميا وسياسيا رغم أن الزوجين رضيا بالحكم، ورغم أن المحكمة أوضحت أن الزوجة اعترفت بكذبها وأن خطيبها ما كان ليقبل الزواج منها لو علم بذلك قبل دخوله بها ليلة 8 يوليو/ تموز الماضي.
وبنى القضاء حكمه على المادة 180 من القانون المدني، إلا أن النخبة السياسية والإعلامية اعتبرت الحكم "تراجعا عن مبادئ العلمانية واعترافا ضمنيا من قبل القضاء بالخصوصيات الدينية للمسلمين".
وتنص تلك المادة على أنه "حينما يكون هناك خطأ في أحد طرفي الزواج أو بشأن إحدى الصفات الأساسية للشخص، فإن من حق الطرف الآخر أن يطلب فسخ الزواج".
ولم تشر المحكمة إلى ديانة الزوجين، بل إن المدعي العام في ليل فيليب لومير، اعتبر في تصريحات للصحافة أن الحكم يتطابق مع "السلوك الاعتيادي للقضاء الفرنسي في مثل هذه الحالات".
استئناف الوزيرة
وفي البداية أيدت وزيرة العدل رشيدة داتي -ذات الأصول المغربية- الحكم، إلا أنها سرعان ما أذعنت لموقف الأحزاب والجمعيات التي طالبتها بأن تأمر الادعاء العام بالطعن في الحكم.
وعزت أسبوعية لوكنار أونشينه تراجع داتي إلى تدخل مباشر من رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي نفسه، حيث نقلت عنه قوله "لا ينبغي لقاض أن يقرر ما قرر، لا بد من الطعن والاستئناف حتى لا يتحول هذا الحكم إلى سابقة" مضيفا "سأطلب من وزيرة العدل أن تقوم بالاستئناف".
"وانتقد القاضي الفرنسي جان-بيار روزينفك بشدة القرار الحكومي باستئناف حكم "حظي بقبول طرفي الزواج" مؤكدا أنه "مصدوم من إمكانية أن يستطيع المجتمع من خلال وزارة العدل تغيير مسار الحياة الخاصة لشخصين لا يرغبان في الزواج من بعضهما البعض".
استغلال سياسي
ومن جهته اعتبر المحامي كزافييه لاشيز أن هذه "القضية تعكس بجلاء رغبة بعض السياسيين في التقرب من قطاعات الرأي العام المعادية للمهاجرين" مؤكدا في مقابلة مع لونوفيل أبسرفاتور أن "الضجة المفتعلة حول المسألة تعبر عن استغلال سياسي" لحكم قضائي عادي.
أما شارل إدوار موجيه محامي الزوجة، فقد نقل عنها قولها إنها "متألمة جدا" من اللغط الإعلامي حول القضية، مضيفا أنها كانت سعيدة بفسخ زواجها وأنها "لا تريد أن تكون ضحية للنظام السياسي الفرنسي".
ويرى جامعي طلب عدم الكشف عن هويته أن هذا الجدل ما كان ليحدث لو تعلق الأمر بزواج كاثوليكي أو يهودي، وأن المقصود منه هو إبراز المسلمين في صورة مجموعة دينية "ترفض الاندماج في المجتمع الفرنسي وتحمل قيما مناقضة لقيمه، وزيادة الضغط عليهم لكي ينسلخوا من هويتهم الحضارية".
واعتبر الأكاديمي أن ذلك المقصد قاد الطبقة السياسية والإعلام إلى "الدوس على مبدأ استقلال القضاء ومحاولة تحريف وظيفة القانون التي هي حماية المتعاقد أيا كان من الغش والخداع".